واقع التجارة الالكترونية في المغرب ، الارقام والتحديات
في الفترة التي تلت انتشار الجائحة العالمية المعروفة بمسمى الكوفيد-19 ، شهدت المبادلات التجارية بكل أنواعها تحولا ملحوظا تمثل في تصاعد غير مسبوق للتجارة الالكترونية. من بين أبرز العوامل التي عززت هذا التحول الإغلاق الكلي أو الجزئي اللذان شهدتهما معظم دول العالم. والتي جعلت ممارسة التجارة بشكلها " التقليدي " أمرا أقرب للاستحالة. وبهذا دفعت بالتجار الى التوجه نحو ما من شأنه إنقاذ تجارتهم في ظل الظروف الغير متوقعة التي بسطت على العالم ظلها. بناء على ما سبق، يهدف هذا المقال الى التعريف بالتجارة الالكترونية عامة، وأنواعها خاصة، بالإضافة الى تحديد أبرز الأرقام التي تعكس واقع هذه التجارة في المغرب والتحديات التي يواجهها الفاعلون في هذا المجال.
التعريف بالتجارة الإلكترونية:
يعتبر مفهوم التجارة الالكترونية مفهوما حديثا نسبيا، حيث لم يبدأ العمل به إلا في ستينيات القرن الماضي. ونعني بالتجارة الالكترونية الأنشطة والمبادلات التجارية من بيع وشراء، والتي تتم بين طرفين أو أكثر عن طريق شبكة الأنترنت وتقنيات تكنولوجيا المعلومات، وتتم هذه المبادلات التجارية عادة من خلال المتاجر الإلكترونية. يجدر الإشارة هنا إلى ان هذه المبادلات تتم سواء محليا، أو دوليا. إذن من هنا يمكننا أن نعرف التجارة الالكترونية بكونها تبادلا للسلع والخدمات بين مجموعة من الفاعلين الاقتصاديين من خلال الاستعانة بالأنترنت والتقنيات التكنولوجية الحديثة.
أنواع التجارة الالكترونية:
بعد التعريف بالتجارة الالكترونية، يأتي الدور على أنواع هذه التجارة التي سيمكن استيعابها من فهم أشمل للعملية. إذن، تنقسم التجارة الالكترونية الى قسمين أساسين وهما: أولا الدفع عند الاستلام (CASH ON DELIVERY ) . يتميز هذا النوع بإمكانية الدفع بعد استلام المنتج، عكس الأنواع المألوفة التي يتم خلالها الدفع بشكل مسبق قبل التوصل بالمنتوج. تعتبر هذه الطريقة واحدة من الطرق التي توفرها المتاجر الالكترونية للدفع مقابل طلبات مشتريها. ويختار العديد من الزبائن اللجوء الى خاصية الدفع عند الاستلام بالرغم من وجود أنواع أخرى، وذلك بفضل الامتيازات العديدة التي توفرها، والتي يمكن أن نذكر منها الآتي:
- كونها طرق دفع صديقة لمن لا يتوفر على بطاقات دفع رقمية.
- تحمي هذه الخاصية من الاحتيال عند الدفع ومن خطر التعرض لسرقة بياناتك البنكية.
- الحرص على توافر المنتج الذي تم طلبه، حيث أن المعاملات من هذا النوع يتم من خلالها إيصال الطلب ثم تسلم الأموال بعدها.
من خلال ما سبق، نكون قد تعرفنا على النوع الأول من أنواع التجارة الالكترونية. و سننتقل في الفقرة التالية إلى تعريف النوع الثاني ، مع بيان بعض من مميزاته.
يتمثل النوع الثاني للتجارة الالكترونية في البيع عبر سلسلة التجزئة (DROPSHIPPING). وينتمي هذا المفهوم الى مجموعة المفاهيم المستحدثة في عالم التجارة الالكترونية، ويتجسد العمل بهذا لنوع في أن المتجر الإلكتروني لا يتوفر على مخزون للمنتجات خاص به. وانما يقوم بطلبها من طرف ثالث (البائع بالجملة او بالتجزئة) بناء على طلب المشتري، وبهذا يقوم الطرف الثالث بشحن الطلب مباشرة للزبون دون المرور عبر المتجر الإلكتروني. إذن ففي هذه الحالة يمكن اعتبار المتجر الإلكتروني وسيطا بين البائع الأصلي والمشتري. يتميز هذا النوع من التجارة الالكترونية بمجموعة من الإيجابيات أهمها:
- كونه متطلبا بشكل أقل فيما يتعلق برأس المال: من أبرز مميزات البيع عبر سلسلة التجزئة كونها تمكن من إطلاق متاجر الكترونية بدون الحاجة لرؤوس أموال ضخمة مقدما. حيث أن مجموعة من الموارد المالية التي تثقل كاهل من يمتلك منتجا يتوجب تخزينه، وشحنه، والحرص على ظروف الحفاظ عليه الى حين بيعه، لا تشكل تحديا للبائعين عبر سلاسل البيع بالتجزئة لأنهم ليسوا المسؤولين عن تخزين وشحن المنتج.
- تساعد هذه الخاصية في تبسيط إدارة المتاجر الالكترونية وطرح مجموعة من المصاريف المتعلقة بالمنتج، حيث يعفي البيع عن طريق سلاسل التجزئة من القلق حول اثمنة المستودعات والشحن وغيرها من التكاليف المرتبطة بحيازة المنتج.
- تمكن هذه التقنية المتجر من أخذ مجموعة واسعة من المنتجات بعين الاعتبار، وعدم الاقتصار على منتج أو منتجين، بعكس المتاجر الالكترونية الأخرى التي تقتصر على عدد قليل من المنتجات بحكم المصاريف، وكثرة العمليات التي يستوجبها التوفر على المنتج و شحنه.
التجارة الالكترونية في السياق المغربي:
حقق المغرب مكتسبات فيما يتعلق بالتجارة الالكترونية خلال الفترة التي تلت انتشار فيروس كورونا. فقد تم إجراء ما يناهز الستة ملايين عملية تجارية بقيمة تقارب الثلاث ملايير وهذا عبر بطاقات بنكية مغربية واجنبية على حد سواء خلال النصف الأول من سنة 2020. وخلال نفس السنة بلغ إجمالي المتسوقين 12.6 مليون شخص، وبلغت القيمة الإجمالية للبضائع التي تم اقتناءها 1.03 بليون دولار امريكي، بمعدل إنفاق قدره 84 دولارا أمريكيا للفرد الواحد.
من خلال هذه الأرقام، يتبادر الى ذهننا السؤال التالي: ما هي نسبة الاستهلاك والإنفاق حسب فئات البضائع؟ يتصدر الإنفاق في السوق الالكترونية المغربية السفر والتنقل والإقامة بمبلغ بلغ قدره 1.05 بليون دولار امريكي. يليه بعد ذلك اقتناء الألعاب الالكترونية بقيمة 358.9 مليون دولار أمريكي. ثم المنتجات الالكترونية والوسائط المادية بقيمة مجموعها 324.3 مليون دولارا أمريكيا. وتأتي بعد ذلك منتجات التجميل والموضة بقيمة تبلغ 290.7 مليون دولارا أمريكيا. وقد شمل إنفاق المستهلك المغربي المجالات التالية أيضا: الأثاث والأجهزة المنزلية، ثم الألعاب والهوايات، ثم الغذاء ومنتجات العناية الشخصية، وأخيرا الموسيقى الرقمية. وقد تم إنفاق القيم التالية على التوالي: 184.9 دولارا، ثم 130.7 دولارا 101.2 دولارا، وأخيرا 16.44 مليون دولار أمريكي.
التحديات التي تواجهها التجارة الإلكترونية:
بالرغم من المستقبل الواعد الذي ينتظر التجارة الالكترونية، والمميزات العديدة التي توفرها للمشترين والمستهلكين على حد سواء. فإنه لا يمكن إنكار التحديات العديدة التي يشكلها هذا المجال المتجدد التقنيات على الدوام. في النقط التالية نستعرض لكم أبرز التحديات التي قد تواجه المستعملين في مجال التجارة الالكترونية:
- بناء الثقة: قد يشكل بناء الثقة في العالم الرقمي صعوبة أولية، أولا لأن عناصر بناء الثقة تختلف باختلاف المجالات، بالإضافة إلى أن التعاملات لا تتم بشكل شخصي بل بواسطة الحاسوب أو الهاتف. لهذا يتوجب بذل جهد من أجل حيازة الثقة التامة للزبون من خلال الخدمات والاتصالات التي تتم بين المتجر والمستهلك، بالإضافة إلى الاستعانة بدراسات للشريحة المستهلكة والتي قد تبين عناصر مهمة تعرف مفهوم الثقة عند الزبون.
- صعوبة التحقق من هوية وصحة وجود الزبون: بحكم أن المعلومات الوحيدة التي تتوفر عليها المتاجر الالكترونية هي معلومات ممنوحة بواسطة الزبون، وغالبا ما تكون عبارة عن رقم الهاتف وعنوان الإقامة. فقد يشكل التحقق من الهوية صعوبة للمتجر في حال كانت المعلومات الممنوحة مغلطة أو غير موجودة من الأساس.
- المحافظة على ولاء المستهلكين: يشكل الحفاظ على ولاء المستهلك العنصر الضامن لاستمرارية المنتج وتواصل الطلب عليه. في عالم التجارة الالكترونية قد يغدو الامر تحديا خاصة مع تنوع الخيارات والتنافسية التي لم تعد تقتصر على المجال المحلي، وإنما تخطته للمجال العالمي، لتتنافس المتاجر بشراسة وعلى نطاق واسع وشمولي.
يتبين من خلال ما سبق أن واقع التجارة الالكترونية داخل المغرب وخارجه يبعث على التفاؤل. خاصة أن مجموعة من الدول بدأت في الاتجاه نحو استراتيجيات لرقمنة المعاملات وطنيا ودوليا. لهذا فقد صار من الملزم لكل الفاعلين الاقتصاديين الساعين لضمان مستقبل تجارتهم تسخير طاقاتهم في التجارة الإلكترونية لضمان استمراريتهم وتطورهم المستدام.
ما هو رد فعلك؟